كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَقَالَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ تَمَامُ التَّوْبَةِ، وَشُرُوطُهَا، وَدَوَامُهَا:
وَأَمَّا الْمَعَاصِي فَيَجِبُ أَنْ يُفَتِّشَ فِي أَوَّلِ بُلُوغِهِ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسَانِهِ وَبَطْنِهِ وَيَدِهِ وَفَرْجِهِ وَسَائِرِ جَوَارِحِهِ، ثُمَّ يَنْظُرَ فِي جَمِيعِ أَيَّامِهِ وَسَاعَاتِهِ، وَيُفَصِّلَ عِنْدَ نَفْسِهِ دِيوَانَ مَعَاصِيهِ حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى جَمِيعِهَا صَغَائِرِهَا وَكَبَائِرِهَا، ثُمَّ يَنْظُرَ فِيهَا فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَظْلَمَةِ الْعِبَادِ كَنَظَرٍ إِلَى غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَقُعُودٍ فِي مَسْجِدٍ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَمَسِّ مُصْحَفٍ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، وَاعْتِقَادِ بِدْعَةٍ، وَشُرْبِ خَمْرٍ، وَسَمَاعِ مَلَاهٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَظَالِمِ الْعِبَادِ فَالتَّوْبَةُ عَنْهَا بِالنَّدَمِ وَالتَّحَسُّرِ عَلَيْهَا، وَبِأَنْ يَحْسِبَ مِقْدَارَهَا مِنْ حَيْثُ الْكِبَرِ، وَمِنْ حَيْثُ الْمُدَّةِ، وَيَطْلُبَ لِكُلِّ مَعْصِيَةٍ مِنْهَا حَسَنَةً تُنَاسِبُهَا، فَيَأْتِيَ مِنَ الْحَسَنَاتِ بِمِقْدَارِ تِلْكَ السَّيِّئَاتِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا بَلْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [11: 114]، فَيُكَفِّرُ سَمَاعَ الْمَلَاهِي بِسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَبِمَجَالِسِ الذِّكْرِ، وَيُكَفِّرُ الْقُعُودَ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا بِالِاعْتِكَافِ فِيهِ مَعَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ، وَيُكَفِّرُ مَسَّ الْمُصْحَفِ مُحْدِثًا بِإِكْرَامِ الْمُصْحَفِ وَكَثْرَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْهُ، وَكَثْرَةِ تَقْبِيلِهِ وَبِأَنْ يَكْتُبَ مُصْحَفًا وَيَجْعَلَهُ وَقْفًا، وَيُكَفِّرُ شُرْبَ الْخَمْرِ بِالتَّصَدُّقِ بِشَرَابٍ حَلَالٍ هُوَ أَطْيَبُ مِنْهُ وَأَحَبُّ إِلَيْهِ، وَعَدُّ جَمِيعِ الْمَعَاصِي غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْمُضَادَّةِ، فَإِنَّ الْمَرَضَ يُعَالَجُ بِضِدِّهِ فَكُلُّ ظُلْمَةٍ ارْتَفَعَتْ إِلَى الْقَلْبِ لَا يَمْحُوهَا إِلَّا نُورٌ يَرْتَفِعُ إِلَيْهَا بِحَسَنَةٍ تُضَادُّهَا، وَالْمُتَضَادَّاتُ هِيَ الْمُتَنَاسِبَاتُ؛ فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تُمْحَى كُلُّ سَيِّئَةٍ بِحَسَنَةٍ مِنْ جِنْسِهَا لَكِنْ تُضَادُّهَا، فَإِنَّ السَّوَادَ يُزَالُ بِالْبَيَاضِ لَا بِالْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ، وَهَذَا التَّدْرِيجُ وَالتَّحْقِيقُ مِنَ التَّلَطُّفِ فِي طَرِيقَةِ الْمَحْوِ، فَالرَّجَاءُ فِيهِ أَصْدَقُ، وَالثِّقَةُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا مُؤَثِّرًا فِي الْمَحْوِ.
فَهَذَا حُكْمُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ يُكَفَّرُ بِضِدِّهِ، وَأَنَّ حُبَّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ، وَأَثَرَ اتِّبَاعِ الدُّنْيَا فِي الْقَلْبِ السُّرُورُ بِهَا وَالْحَنِينُ إِلَيْهَا، فَلَا جَرَمَ كَانَ كُلُّ أَذًى يُصِيبُ الْمُسْلِمَ يَنْبُو بِسَبَبِهِ قَلْبُهُ عَنِ الدُّنْيَا يَكُونُ كَفَّارَةً لَهُ؛ إِذِ الْقَلْبُ يَتَجَافَى بِالْهُمُومِ وَالْغُمُومِ عَنْ دَارِ الْهُمُومِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنَ الذُّنُوبِ ذُنُوبٌ لَا يُكَفِّرُهَا إِلَّا الْهُمُومُ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: إِلَّا الْهَمُّ بِطَلَبِ الْمَعِيشَةِ انْتَهَى الْمُرَادُ هُنَا.
وَلَهُ فِي هَذَا الْمَنْحَى كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ تَكْفِيرَ الْحَسَنَاتِ لِلسَّيِّئَاتِ إِنَّمَا يَكُونُ بِإِذْهَابِ أَثَرِهَا السَّيِّئِ مِنَ النَّفْسِ وَهُوَ الْأُنْسُ بِالْبَاطِلِ وَالشَّرِّ، وَالرَّغْبَةُ فِيهِ وَالِاسْتِلْذَاذُ بِهِ، وَأَمَّا تَكْفِيرُ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ لِلسَّيِّئَاتِ فَقَدْ بَيَّنَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِالْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، فَإِنَّ الِاجْتِنَابَ الَّذِي هُوَ تَرْكٌ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ دَاعِيَةِ الْعَمَلِ بِعَمَلِ النَّفْسِ، وَهُوَ الْإِرَادَةُ الَّتِي تَكُفُّ النَّفْسَ عَنِ الْفِعْلِ الَّذِي حَصَلَتْ دَاعِيَتُهُ، وَمِمَّا أَتَذَكَّرُ مِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ أَوْ بُسْتَانَهُ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ اللهَ وَخَافَهُ فَكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ السَّرِقَةِ وَخَرَجَ، فَإِنَّ هَذَا الْكَفَّ عَنِ الْكَبِيرَةِ يُكَفِّرُ مِنْ نَفْسِهِ دُخُولَ مِلْكِ غَيْرِهِ بِدُونِ إِذْنِهِ؛ لِأَنَّ شُعُورَ الْإِيمَانِ الَّذِي تَنَبَّهَ فِيهِ يَكُونُ قَدْ غَلَبَ شُعُورَ الْفِسْقِ الَّذِي حَرَّكَهُ أَوَّلًا لِقَصْدِ السَّرِقَةِ وَمَحَاهُ وَأَزَالَهُ، وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِدُونِ إِذْنِهِ وَلَا الْعِلْمِ بِرِضَاهُ وَهُوَ لَا يَقْصِدُ إِلَّا الِاسْتِهَانَةَ بِحَقِّهِ، فَإِنَّ هَذِهِ السَّيِّئَةَ تُقَوِّي فِي نَفْسِهِ أَثَرَ الشَّرِّ وَدَاعِيَةَ التَّعَدِّي وَلَا يُكَفِّرُ ذَلِكَ وَيَمْحُوهُ كَوْنُهُ مُجْتَنِبًا لِشُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلًا وَإِنِ اجْتَنَبَهُ بِقَصْدٍ مَعَ حُصُولِ دَاعِيَتِهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْفُسَّاقِ يَضُرُّونَ بِبَعْضِ الْمَعَاصِي وَيَجْتَنِبُونَ غَيْرَهَا أَشَدَّ الِاجْتِنَابِ، فَهَلْ يَكُونُ لِهَذَا الِاجْتِنَابِ أَثَرٌ فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَتَطْهِيرِهَا مِمَّا ضَرِيَتْ بِهِ وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ؟ بَلْ وَلَا مِمَّا فَعَلَتْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَمْ تُتْبِعْهُ بِالنَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ، وَلَكِنْ قَدْ تُكَفِّرُ مِثْلُ هَذِهِ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تُصْلِحُ النَّفْسَ فِي مَجْمُوعِهَا، وَمَنْ فَهِمَ هَذَا لَا يَرَى إِشْكَالًا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَةِ وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ مُكَفِّرَةٌ لِمَا بَيْنَهَا مَا اجْتُنِبَ الْكَبَائِرُ وَإِنْ تَخَبَّطَ فِيهِ الْكَثِيرُونَ.
لِكُلِّ مَرَضٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْبَدَنِيَّةِ دَوَاءٌ خَاصٌّ يُزِيلُهُ، وَلَا يُزِيلُ غَيْرَهُ مِنَ الْأَمْرَاضِ، وَأَمَّا تَقْوِيَةُ الْبَدَنِ كُلِّهِ بِالْغِذَاءِ الْمُوَافِقِ وَالرِّيَاضَةِ وَاسْتِنْشَاقِ الْهَوَاءِ النَّقِيِّ، وَالْبُرُوزِ لِلشَّمْسِ فَإِنَّهُ يُسَاعِدُ عَلَى شِفَاءِ كُلِّ مَرَضٍ إِذَا لَمْ يَكْثُرِ التَّعَرُّضُ لِأَسْبَابِهِ، وَإِنَّ أَدْوَاءَ النَّفْسِ وَأَدْوِيَتَهَا تُشْبِهُ أَمْرَاضَ الْبَدَنِ وَأَدْوِيَتَهَا، وَلِلَّهِ دَرُّ أَبِي حَامِدٍ حَيْثُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الطَّاعَاتِ الَّتِي تُكَفِّرُ الْمَعَاصِيَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَمْثِلَتُهُ كُلُّهَا مُطَابِقَةً لِقَاعِدَتِهِ، وَحَيْثُ لَمْ يَنْسَ أَنَّ إِصْلَاحَ النَّفْسِ بِأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ قَدْ يُذْهِبُ بَعْضَ السَّيِّئَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الطَّاعَاتِ، لِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَدَقَّ فَهْمَهُ لِحِكْمَةِ الْقُرْآنِ وَتَطْبِيقَهُ عَلَى فِطْرَةِ الْإِنْسَانِ، وَمَنْ وَقَفَ عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ الْغَزَالِيِّ مِنْ تَعَدُّدِ مَرَاكِزِ الْإِدْرَاكِ فِي الدِّمَاغِ الَّذِي هُوَ آلَةُ النَّفْسِ، وَكَوْنِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا لَهُ مَرْكَزٌ خَاصٌّ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مُطَّرِدًا فِي أَنْوَاعِ الشُّعُورِ وَالْوِجْدَانِ، وَمَا تَكُونُ الْأَعْمَالُ مِنْ مَلَكَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْعَادَاتِ، فَإِنَّهُ يُعْجَبُ بِمَا أُوتِيَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ قُوَّةِ الذِّهْنِ وَنُفُوذِ أَشِعَّةِ الْفَهْمِ، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ: إِنَّ الْمَاءَ لَيْسَ عُنْصُرًا بَسِيطًا كَمَا تَقُولُ فَلَاسِفَةُ الْيُونَانَ بَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ بِالنُّبُوغِ فِي إِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ الْحِسِّيَّةِ، كَمَا حَكَمَ لَهُ بِإِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ الْمَعْنَوِيَّةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} فَقَدْ قَرَأَ الْجُمْهُورُ قَوْلَهُ: {مُدْخَلًا} بِضَمِّ الْمِيمِ، وَهُوَ اسْمُ مَكَانٍ مِنَ الْإِدْخَالِ، أَيْ: وَنُدْخِلُكُمْ مَكَانًا {كَرِيمًا} وَهُوَ الْجَنَّةُ، وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَهُوَ اسْمُ مَكَانٍ مِنَ الدُّخُولِ، أَيْ: نُدْخِلُكُمْ فَتَدْخُلُونَ مَكَانًا كَرِيمًا، وَوَصَفَ الْمَكَانَ بِالْكَرِيمِ ظَنَّ مَنْ لَا يَرْجِعُ فِي الْمَعَانِي إِلَى أُصُولِ اللُّغَةِ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْحُسْنِ تَجَوُّزًا وَلَكِنَّ الْعَرَبَ قَالَتْ: أَرْضٌ كَرِيمَةٌ وَأَرْضٌ مُكَرَّمَةٌ: أَيْ طَيِّبَةٌ جَيِّدَةُ النَّبَاتِ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [26: 57، 58]، وَقَدْ يَكُونُ الْمُدْخَلُ الْكَرِيمُ وَالْمَقَامُ الْكَرِيمُ هُوَ الْمَكَانَ الَّذِي يُكْرَمُ بِهِ مَنْ يَدْخُلُهُ وَيُقِيمُ فِيهِ.
{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي بَيَانِ وَجْهِ اتِّصَالِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا: نَهَى أَوَّلًا عَنْ أَكْلِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ أَمْوَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ وَأَوْعَدَ فَاعِلَ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَا قَبْلَهُ مِنَ الْمَنَاهِي مَا يُغْفَرُ مِنْهَا وَمَا لَا يُغْفَرُ، ثُمَّ أَرْشَدَنَا بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ إِلَى قَطْعِ عِرْقِ كُلِّ تَعَدٍّ عَلَى الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَهُوَ التَّمَنِّي وَعَدَمِ اسْتِعْمَالِ كُلٍّ لِمَوَاهِبِهِ فِي الْجِدِّ وَالْكَسْبِ وَكُلُّ مَا يَتَمَنَّاهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ.
وَقَالَ الْبَقَاعِيُّ فِي ذَلِكَ: وَلَمَّا نَهَى عَنِ الْقَتْلِ، وَعَنِ الْأَكْلِ بِالْبَاطِلِ بِالْفِعْلِ، وَهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ لِيَصِيرَ الظَّاهِرُ طَاهِرًا عَنِ الْمَعَاصِي الْوَخِيمَةِ نَهَى عَنِ التَّمَنِّي، فَإِنَّ التَّمَنِّيَ قَدْ يَكُونُ حَسَدًا وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَهُوَ حَرَامٌ وَالرِّضَى بِالْحَرَامِ حَرَامٌ، وَالتَّمَنِّي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُرُّ إِلَى الْأَكْلِ، وَالْأَكْلُ يَقُودُ إِلَى الْقَتْلِ، فَإِنَّ مَنْ يَرْتَعُ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، فَإِذَا انْتَهَى عَنْ ذَلِكَ كَانَ بَاطِنُهُ طَاهِرًا عَنِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ بِحَسَبِ الطَّرِيقَةِ، لِيَكُونَ الْبَاطِنُ مُوَافِقًا لِلظَّاهِرِ، وَيَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ، فَيَسْهُلَ عَلَيْهِ تَرْكُ مَا نُهِيَ عَنْهُ وَيَرْضَى بِمَا قُسِمَ لَهُ.
وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَمَّا نَهَى اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَقَتْلِ الْأَنْفُسِ عَقَّبَهُ بِالنَّهْيِ عَمَّا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنَ الطَّمَعِ فِي أَمْوَالِهِمْ.
وَرُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ:
إِحْدَاهَا عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: يَا رَسُولَ اللهِ، تَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا نَغْزُو، وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى الْآيَةَ، وَالثَّانِيَةُ: عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النِّسَاءَ سَأَلْنَ الْجِهَادَ، فَقُلْنَ: وَدِدْنَا أَنَّ اللهَ جَعَلَ لَنَا الْغَزْوَ فَنُصِيبَ مِنَ الْأَجْرِ مَا يُصِيبُ الرِّجَالُ، فَنَزَلَتْ، وَالثَّالِثَةُ: عَنْ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ قَالَا: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [4: 11]، قَالَ الرِّجَالُ: إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ نُفَضَّلَ عَلَى النِّسَاءِ بِحَسَنَاتِنَا كَمَا فُضِّلْنَا عَلَيْهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ فَيَكُونَ أَجْرُنَا عَلَى الضِّعْفِ مِنْ أَجْرِ النِّسَاءِ، وَقَالَتِ النِّسَاءُ: إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْوِزْرُ عَلَيْنَا نِصْفَ مَا عَلَى الرِّجَالِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا لَنَا الْمِيرَاثُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ نَصِيبِهِمْ فِي الدُّنْيَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}، ذَكَرَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ الْوَاحِدِيُّ وَالسُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ، وَهِيَ لَا تَتَّفِقُ اتِّفَاقًا بَيِّنًا مَعَ الْمَأْثُورِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ التَّمَنِّي بِالْحَسَدِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا: لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: لَيْتَ مَا أُعْطِيَ فُلَانٌ مِنَ الْمَالِ وَالنِّعْمَةِ وَالْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ كَانَ عِنْدِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حَسَدًا، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: اللهُمَّ أَعْطِنِي مِثْلَهُ.
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: سَبَبُ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ الْحَيْرَةُ فِي فَهْمِ الْآيَةِ وَمَعْنَاهَا ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَلَّفَ كُلًّا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَعْمَالًا فَمَا كَانَ خاصًّا بِالرِّجَالِ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ أَجْرِهِ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ النِّسَاءُ، وَمَا كَانَ خَاصًّا بِالنِّسَاءِ لَهُنَّ نَصِيبٌ مِنْ أَجْرِهِ لَا يُشَارِكُهُنَّ فِيهِ الرِّجَالُ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَمَنَّى مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْآخَرِ، وَجَعَلَ الْخِطَابَ عَامًّا لِلْفَرِيقَيْنِ مَعَ أَنَّ الرِّجَالَ لَمْ يَتَمَنَّوْا أَنْ يَكُونُوا نِسَاءً وَلَا أَنْ يَعْمَلُوا عَمَلَ النِّسَاءِ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَتَرْبِيَةُ الْأَوْلَادِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَإِنَّمَا كَانَ النِّسَاءُ هُنَّ اللَّوَاتِي تَمَنَّيْنَ عَمَلَ الرِّجَالِ، وَأَيُّ عَمَلِ الرِّجَالِ تَمَنَّيْنَ؟ تَمَنَّيْنَ أَخَصَّ أَعْمَالِ الرُّجُولِيَّةِ وَهُوَ حِمَايَةُ الذِّمَارِ، وَالدِّفَاعُ عَنِ الْحَقِّ بِالْقُوَّةِ، فَفِي هَذَا التَّعْبِيرِ عِنَايَةٌ بِالنِّسَاءِ، وَتَلَطُّفٌ بِهِنَّ وَهُوَ مَوْضِعٌ لِلرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ لِضَعْفِهِنَّ وَإِخْلَاصِهِنَّ فِيمَ تَمَنَّيْنَ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَلَّا يَظْهَرَ ذَلِكَ التَّمَنِّي النَّاشِئُ عَنِ الْحَيَاةِ الْمِلِّيَّةِ الشَّرِيفَةِ، فَإِنَّ تَمَنِّيَ مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ غَرِيبٌ مِنَ النِّسَاءِ جِدًّا؛ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْأُمَّةَ فِي عُنْفُوَانِ حَيَاتِهَا يَكُونُ النِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ فِيهَا مُشْتَرِكِينَ مَعَ الرِّجَالِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ وَفِي آثَارِهَا، وَإِنَّهَا لَتَسْرِي فِيهَا سَرَيَانًا عَجِيبًا وَمَنْ عَرَفَ تَارِيخَ الْإِسْلَامِ وَنَهْضَةَ الْعَرَبِ بِهِ وَسِيرَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ فِي زَمَنِهِ يَرَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَسِرْنَ مَعَ الرِّجَالِ فِي كُلِّ مَنْقَبَةٍ وَكُلِّ عَمَلٍ، فَقَدْ كُنَّ يَأْتِينَ وَيُبَايِعْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْمُبَايَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي (سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ)، كَمَا كَانَ يُبَايِعُهُ الرِّجَالُ، وَكُنَّ يَنْفِرْنَ مَعَهُمْ إِذَا نَفَرُوا لِلْقِتَالِ، يَخْدُمْنَ الْجَرْحَى وَيَأْتِينَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَخْتَصَّ النِّسَاءُ بِأَعْمَالِ الْبُيُوتِ، وَالرِّجَالُ بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ الَّتِي فِي خَارِجِهَا لِيُتْقِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمَلَهُ، وَيَقُومَ بِهِ كَمَا يَجِبُ مَعَ الْإِخْلَاصِ لَهُ، وَتَنْكِيرُ لَفْظِ نَصِيبٌ، لِإِفَادَةِ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا يَعْمَلُهُ الْعَامِلُ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْأَجْرُ عَلَى مَا عُمِلَ بِالْإِخْلَاصِ، أَيْ: فَفِي الْكَلَامِ حَثٌّ ضِمْنِيٌّ عَلَيْهِ- وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، أَيْ: لِيَسْأَلْهُ كُلٌّ مِنْكُمُ الْإِعَانَةَ وَالْقُوَّةَ عَلَى مَا نِيطَ بِهِ؛ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنَّ يَتَمَنَّى مَا نِيطَ بِالْآخَرِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا النَّهْيِ تَمَنِّي كُلِّ مَا هُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْخِلْقِيَّةِ كَالْجَمَالِ وَالْعَقْلِ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَمَنِّيهَا لِمَنْ لَمْ يُعْطَهَا، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا يَقَعُ تَحْتَ قُدْرَةِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْأُمُورِ الْكَسْبِيَّةِ إِذْ يُحْمَدُ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى مَا نَالَ الْآخَرُ وَيَتَمَنَّى لِنَفَسِهِ مِثْلَهُ وَخَيْرًا مِنْهُ بِالسَّعْيِ وَالْجِدِّ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: وَجِّهُوا أَنْظَارَكُمْ إِلَى مَا يَقَعُ تَحْتَ كَسْبِكُمْ وَلَا تُوَجِّهُوهَا إِلَى مَا لَيْسَ فِي اسْتِطَاعَتِكُمْ؛ فَإِنَّمَا الْفَضْلُ بِالْأَعْمَالِ الْكَسْبِيَّةِ فَلَا تَتَمَنَّوْا شَيْئًا بِغَيْرِ كَسْبِكُمْ وَعَمَلِكُمْ. اهـ.
أَقُولُ: قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: التَّمَنِّي تَشَهِّي حُصُولِ الْأَمْرِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَحَدِيثُ النَّفْسِ بِمَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَمَنَّيْتُ الشَّيْءَ إِذَا قَدَّرْتُهُ وَأَحْبَبْتُ أَنْ يَصِيرَ إِلَيَّ. اهـ.
وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ التَّمَنِّيَ لَا يَدْخُلُ فِي حَدِّ الِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُ مُشْكِلًا، وَإِنَّمَا يَظُنُّ هَذَا الظَّنَّ مَنْ يُتْبِعُ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَيُسْلِسُ لِخَوَاطِرِهَا الْعِنَانَ، بَلْ يُلْقِي مِنْ يَدِهِ الْعِنَانَ وَاللِّجَامَ، حَتَّى تَكُونَ الْأَمَانِيُّ مِنْهُ كَالْأَحْلَامِ مِنَ النَّائِمِ لَا يَمْلِكُ دَفْعَهَا إِذَا أَتَتْ، وَلَا رَدَّهَا إِذَا غَرَبَتْ، وَشَأْنُ قُوَى الْإِرَادَةِ غَيْرُ هَذَا، وَلَا يَرْضَى اللهُ تَعَالَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا أَصْحَابَ عَزَائِمَ قَوِيَّةٍ، فَهُوَ يُرْشِدُهُمْ بِهَذَا النَّهْيِ إِلَى تَحْكِيمِ الْإِرَادَةِ فِي خَوَاطِرِهِمُ الَّتِي تَتَحَدَّثُ بِهَا أَنْفُسُهُمْ، لِتَصْرِفَهَا عَنِ الْجَوَلَانِ فِيمَا هُوَ لِغَيْرِهِمْ، كَمَا يَصْرِفُونَ أَجْسَامَهُمْ أَنَّ تَجُولَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِمْ بِدُونِ إِذْنِهِ، وَتَوَجُّهِهَا فِي وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ وَأَشْرَفُ كَالتَّفَكُّرِ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي هَذَا الْخَلْقِ، وَلاسيما سُنَنُهُ فِي حَيَاةِ الْأُمَمِ وَمَوْتِهَا وَقُوَّتِهَا وَضَعْفِهَا، وَتَطْبِيقِ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِمْ، وَالتَّفَكُّرِ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَنِسْبَتِهِ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُخَفِّفُ عَنِ النَّفْسِ مَا تَحْمِلُهُ مِنْ أَثْقَالِ الْحَيَاةِ وَتَكَالِيفِهَا.
الْأَمْرُ كَذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَمَنِّي كُلِّ مُكَلَّفٍ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ غَيْرَهُ عَلَيْهِ يَتَضَمَّنُ مِنَّا يَتَحَقَّقُ بِهِ الِانْتِهَاءُ وَهُوَ أَمْرَانِ: (أَحَدُهُمَا) الْعَمَلُ النَّافِعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَكُونُ بِهِ الْفَائِدَةُ تَامَّةً مِنَ الْعِنَايَةِ وَالْإِتْقَانِ، وَلَا يَشْغَلُ النَّفْسَ بِالْأَمَانِي وَالتَّشَهِّي كَالْبِطَالَةِ وَالْكَسْرِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْكَسْبَ بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ التَّمَنِّي (ثَانِيهِمَا): تَوْجِيهُ الْفِكْرِ فِي أَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ مِنَ الْعَمَلِ إِلَى مَا يُغَذِّي الْعَقْلَ وَيُزَكِّي النَّفْسَ، وَيَزِيدُ فِي الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ، وَقَدْ ذَكَّرْنَاكَ بِهِ آنِفًا وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى قُوَّةِ الْإِرَادَةِ، وَإِنَّمَا تَقْوَى الْإِرَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِي تَنْفِيذِ مَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ، وَدَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ.